تتجلَّى خطط السعودية للسنوات العشر المقبلة تقريبًا في برنامجها «رؤية 2030» الذي يركّز على أهداف عدّة لحكومة المملكة، ومنها التحوّل من الاعتماد على المنتجات النفطية والبترولية إلى استخدام مصادر الطاقة الأكثر تجددًا. يتضمّن هذا البرنامج أيضًا عديدًا من الجهود الرامية إلى تطوير الزراعة والتعليم، وتحسين كفاءة الرعاية الصحية، فضلًا عن عددٍ من الأولويات الأخرى.
وفي مجال الطاقة، يشتهر تاديوس باتزيك، المهندس الكيميائي والباحث المتخصص في علم الفيزياء، بتمرُّسِه وخبراته الواسعة، بما في ذلك أبحاثه المعنيّة بعمليات الاستخراج المُعقدة للنفط والغاز من التكوينات الجيولوجية المعروفة باسم الصخور الزيتية. غير أنَّ باتزيك يُعرِب دون تفكير عن رفضه تلك الإشادة. ويقول عن ذلك: "أنا عالمٌ يُنتَظَر منه تقديم حلولٍ تقنية لمشكلاتٍ تعجز التقنيات وحدها عن حلها".
وُلِد باتزيك وتربَّى في بولندا، ويقول إنَّ حبّه للطبيعة لم يتغيّر قط، مضيفًا أنَّ "الشيء الوحيد الذي تغيّر هو ما اكتسبته من إدراكٍ مرير لحجم الفساد الذي اقترفته أيدينا بحق الكوكب. والآن تردّ لنا الطبيعة الضربة بالتغيّر المناخي".
أظهرت أبحاث باتزيك أنَّ "درجات الحرارة في شبه الجزيرة العربية ترتفع بمعدلٍ يضاهي ضعف معدل الاحترار على مستوى العالم"، لذا يعمل بجد من خلال إلقاء المحاضرات، وإعداد الأبحاث، والنشر في مدونته، كي يُوجِّه الآخرين ليفكّروا في المشكلات البيئية بمزيدٍ من الجدّية.
يرى باتزيك أنَّ "المشكلة الأكبر في هذا الصدد هي النمو السريع لعدد سكّان العالم". ورغم حلوله التي يقترحها دوريًا لحل هذه المشكلات، مثل معالجة مياه الصرف، واستحداث قوانين جديدة للإنشاءات وتكييف الهواء، تناسب أعداد السكان المتزايدة باستمرار، فإن هناك مخاوف تؤرّقه. يقول عن ذلك: "لن نتعامل مع هذه المسألة بكفاءة ما لم يتخلَ الناس عن عاداتهم، ويغيّروا طريقة تفكيرهم ليركّزوا على تقليص النمو".
لكنَّه مع ذلك يأمل في مستقبلٍ مختلف، ومنبع هذا الأمل أبحاثه التي يُجريها حاليًا، بالتعاون مع عددٍ من العقول الشابة من خلال برامج الدراسات العليا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست). ويوضّح ذلك قائلًا: "أهم مساهماتي هنا هي تقديم دورةٍ تدريبية عن الأرض والبيئة والطاقة والاقتصاد. بهذا ستفهم الأجيال من بعدي ما ستؤول إليه الأمور، وكيف يمكنهم تقويم تصرفات البشر".
عن هذه الدورة التدريبية يقول فيليب ميتشل، طالب الدكتوراة في الجامعة، إنَّ "أحد الدروس المهمة المستفادة منها عدم الوثوق في التقنية بشكل مطلق. في بعض الأحيان، قد نُفتَن، نحن العلماء والمهندسون، بسهولة بالتقنيات الحديثة، دون أن ننتبه إلى قابلية توسيع نطاق استخدامها، وإلى آثارها الجانبية السلبية".
وأضاف ميتشل: "تلك الدورة التدريبية جعلتني أكثر قدرة على فهم الدور الذي يمكن أن يسهم به العلماء في الصالح العالم. ومع ما نشهده من انهيارٍ لنموذج الاقتصاد الذي يركز بالأساس على النمو، فإنَّنا بحاجة إلى باحثين خبراء في مجالاتٍ مختلفة، لديهم دراية واسعة بعلم الديناميكا الحرارية والإيكولوجيا، لمساعدة المجتمعات والحكومات على تصميم بدائل مستدامة".