Skip to main content
@2021 KAUST; Morgan Benett Smith

بناء مستقبل أكثر إشراقًا للشعاب المرجانية

تتكاتف جهود الباحثين في «كاوست» لتعزيز قدرة الشعاب المرجانية على مواجهة مخاطر التي يشكلها تغيُّر المناخ والممارسات البشرية.

توجد الشعاب المرجانية في جزءٍ ضئيلٍ من محيطات العالم، ورغم ذلك فهي تُعَد موطنًا لما يزيد على 25% من إجمالي الكائنات البحرية، الأمر الذي يجعلها بؤرًا غنيّة بالتنوّع البيولوجي. وإضافةً إلى ذلك، تدعم الشعاب المرجانية قرابة مليار شخص عن طريق توفير خدماتٍ شتى مثل السياحة، ومصايد الأسماك، وحماية السواحل.


وعلى الرغم من الدور المهم الذي تؤدّيه الشعاب المرجانية للبشر والتنوّع البيولوجي، فإنها تعاني حالةً من التلاشي السريع جرّاء ارتفاع درجات الحرارة عالميًا بفعل تغيُّر المناخ. وقد أثرت حوادث ابيضاض المرجان خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2018 وحدها في 74% من الشعاب المرجانية في العالم.


يقول كارلوس دوارتي، المدير التنفيذي للمنصّة العالمية الجديدة لتسريع أبحاث وتطوير الشعاب المرجانية -التي أطلقتها مجموعة العشرين- وهي برنامج عالمي يهدف إلى ابتكار جيل جديد من حلول استعادة وترميم الشعاب المرجانية في العالم: "تتضاءل فرص تأمين مستقبل الشعاب المرجانية سريعًا، ولا توجد دولة واحدة يمكن أن نقول إنها تمتلك القدرة على تغيير الموقف. نحن بحاجة إلى إنتاج جيل جديد من العلوم والتقنية لتأمين مستقبل لها. وهذا سيتطلب برنامجًا يجمع خيرة العقول معًا من مختلف المجالات".


في أغسطس 2021 ، عُيِّنَت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) لتكون حلقة الوصل المركزية للمنصة العالمية لتسريع أبحاث وتطوير الشعاب المرجانية التي أطلقتها مجموعة العشرين. وبوصفها حلقة الوصل المركزية للمنصة، ستتولى كاوست إدارة تمويل البرنامج، وتيسير الجهود البحثية المشتركة على المستويين المحلي والدولي إضافةً إلى تحديد الأولويات البحثية لاستعادة وترميم الشعاب المرجانية على مستوى العالم وحمايتها.


يسابق باحثو كاوست الزمن، معتمدين على خبراتهم الفنية الواسعة لابتكار نُهُج جديدة من شأنها أن تساعد الشعاب المرجانية على التكيّف مع عالم سريع التغيُّر والبقاء على قيد الحياة في مستقبل أكثر احترارًا.

مرونة الاستيلاد


يقول مانويل أراندا، أستاذ علوم البحار في كاوست إن الشعاب المرجانية استطاعت أن تتكيَّف مع التغيّر البيئي لملايين السنين، لكنها تناضل الآن من أجل مواكبة الارتفاع السريع في درجات حرارة البحر، ويوضح هذا الخطر بقوله "ترتفع درجة الحرارة بسرعة كبيرة إلى حد أن الشعاب المرجانية قد تصبح عاجزةً عن التكيف بشكل طبيعي".


ومن شأن الجينوم المرجاني أن يقدم حلًّا لهذه المشكلة. ولذا يعمل أراندا وزملاؤه على تحديد الجينات التي تجعل مستعمراتٍ مرجانية معينة أكثر تحمّلًا للحرارة من غيرها. فمن خلال الاستيلاد الانتقائي، يُمكِن إدخال هذه السمات المرنة إلى مجموعات المستعمرات المرجانية الأقل تحمّلًا بهدف منحها فرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة في ظل ارتفاعات درجات الحرارة.


يقول أراندا: "الأمر يتعلّق بإنتاج ذرية يتوافر لديها كل ما تحتاج إليه لتحقيق النجاح في البيئة المحلية، والعمل في الوقت ذاته على زيادة مرونتها لتكون قادرة على التكيّف مع ما هو قادم".


ولإخضاع هذه الفكرة لمزيد من الدراسة، يشارك أراندا في الإشراف على مشروع بحثي مشترك بين كاوست ومدينة نيوم (مدينة جديدة مستدامة خُطّط لتأسيسها في المملكة العربية السعودية ويجري العمل عليها) بهدف إنشاء أكبر حديقة مرجانية في العالم بجزيرة شوشة في البحر الأحمر. ومن المزمع الانتهاء من مساحة تبلغ 100 هكتار من الشعاب المرجانية عام 2025 وهذه المساحة ستكون مختبرًا طبيعيًا لإجراء التجارب واكتشاف أفضل طرق استعادة الشعاب المرجانية وترميمها.


ستُشيَّد الحديقة المرجانية وتُعَمَّر باستخدام تقنية «ماريتكتشر» (Maritechture) التي طوَّرها علماء من كاوست، وتشتمل على مجموعة من طرق الاستعادة والترميم التي صممها أراندا ودوارتي بالتعاون مع زملائهما. تتضمَّن العملية زراعة شعابٍ مرجانية على هياكل مطبوعة طباعة ثلاثية الأبعاد ومطلية بمادة تعمل على تسريع نموها. ومن شأن هذا النهج أن يسمح بإدخال الشعاب المرجانية بطيئة النمو في مشروعات الاستعادة والترميم، الأمر الذي من شأنه أن ينتج شعاب مرجانية مُرَمّمة أكثر تنوعًا وتوازنًا في وقت ما مستقبلًا.


وفيما يتعلق بأبحاث أراندا عن جينات الشعاب المرجانية، ستوفّر الحديقة المرجانية بيئة يمكن فيها أن نلمَس التطور الموجَّه على أرض الواقع. ستُزرَع الشعاب المرجانية التي تتحمّل الحرارة جنبًا إلى جنب مع الأنواع الأخرى حتى يتسنّى التهجين بينها وإنتاج ذرية قادرة على تحمُّل الارتفاعات في درجات الحرارة على نحوٍ أفضل.


يقول أراندا: "مع استمرارنا في هذا الإجراء، يمكننا بدء زيادة عدد المستعمرات المرنة في المجموعة الطبيعية".

© 2021 KAUST; Morgan Bennett Smith

دفعة ميكروبية


تضع راكيل بيشوتو، أستاذة علوم البحار في كاوست، الاستفادة من قدرة الشعاب المرجانية على التكيّف الطبيعي لمساعدتها على تحمّل الإجهاد، هدفًا رئيسيًا لها.


تعكف بيشوتو وفريقها على تطوير معيناتٍ حيوية (بروبيوتيك) يمكنها مساعدة الشعاب المرجانية على التعافي من الإجهاد الحراري والابيضاض، وهي فكرة وُلدت من رحم الجهد البحثي السابق لبيشوتو الذي استُخدمت فيه المعينات الحيوية لتنظيف انسكابات النفط في غابات المانجروف بالبرازيل.


والمعينات الحيوية هي كائنات مجهرية لها فوائد صحية للكائنات الحية لدى تناولها أو وضعها على سطح الجسم، ومن أبرزها تلك الموجودة في الزبادي والأطعمة المخمرة.

© 2021 KAUST; Morgan Bennett Smith


وبالإضافة إلى الطحالب التكافلية، ثمة علاقة مفيدة تجمع بين الشعاب المرجانية والميكروبات الأخرى، مثل البكتيريا. فعندما يحدث ابيضاض للشعاب المرجانية في ظلّ الإجهاد الحراري، فإنها تلفظ طحالبها التي تتولّى عملية البناء الضوئي، مما يتسبّب في خروج الميكروبيوم الخاص بها عن نسق التوازن.


والميكروبيوم هو مجموعة الميكروبات الموجودة طبيعيًا في جسم الكائن الحي، وتشمل البكتيريا والطحالب والفيروسات. ورغم كونها كائنات دقيقة لا تُرى بالعين المجردة لكنها تسهم إسهامًا كبيرًا في الحفاظ على صحة الكائن العائل وسلامته.


وقد أظهرت التجارب المختبرية التي أشرفت عليها بيشوتو أن الشعاب المرجانية التي تتعرّض للابيضاض ستعيد حالتها الأصلية أسرع إذا ما عُولجت بمزيجٍ قوي من البكتيريا النافعة. وتعريض الشعاب المرجانية لهذه الميكروبات من شأنه أن يقوّي أيضًا أجهزتها المناعية ويحميها من مُسَبِبات الأمراض والتأثيرات السلبية الأخرى، مثل التلوث حسبما ترى بيشوتو التي تضيف قائلةً: "هدفنا أن نمنح هذه الشعاب المرجانية مزيدًا من القوة والصحة حتى تتمكن من مقاومة أي نوع من التأثيرات تقريبًا".


في أغسطس 2021، شرع فريق بيشوتو في تجريب استخدام المعينات الحيوية في مجموعة مختارة من الشعاب المرجانية الحيّة من نوع «بوسيلوبورا» Pocillopora في البحر الأحمر بهدف التعرف إلى الكيفية التي يمكن أن تفيد بها تلك المعينات الحيوية النظام الإيكولوجي بأكمله، واستكشاف ما إذا كانت تُفضي إلى تحسيناتٍ يمكن أن تنتقل إلى الجيل التالي من الشعاب المرجانية أم لا.


وفي حين أن الحفاظ على الشعاب المرجانية الحالية يشكّل ركيزة أساسية لجهد بيشوتو البحثي، فإن ضمان بقاء تلك الكائنات على قيد الحياة لأجيال قادمة يمثّل القوة الدافعة وراء أبحاثها.


تقول بيشوتو: "عن حق، أرغب في أن يعيش أطفالي في عالم لا يخلو من الشعاب المرجانية. فإذا لم يكن بالإمكان تجنّب تعريضها لتأثيراتٍ وتحديات هائلة، فلنساعد على تسريع وتيرة تكيّفها الطبيعي".

مزيج من التخصّصات العلمية


يقول مايكل بيرومين، أستاذ علوم وهندسة البحار ومدير مركز أبحاث البحر الأحمر في كاوست: "يجسِّد هؤلاء الباحثون المتميزون بما يسلكونه من نُهُجٍ مبتكرة القيمَ الأساسية لمركز أبحاث البحر الأحمر". ويؤكد بيرومين أن ثمة حاجة إلى أساليب متعددة التخصصات العلمية لمواجهة التحدّيات الكثيرة التي تكابدها البيئة البحرية حول العالم، ويضيف: "كرَّس مركز أبحاث البحر الأحمر جهودًا كبيرة لفهم مرونة الشعاب المرجانية وتعزيزها. لقد أضحت قيمة الحفاظ على سلامة البيئات البحرية أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، لا سيِّما إذا اعتبرناها ركيزةً أساسية لعديد من الأهداف الطموح التي تسعى المملكة لتحقيقها في إطار رؤية 2030".


ويضطلع باحثو مركز أبحاث البحر الأحمر بدور محوري كشركاء معرفة ومستشارين للمشروعات الضخمة التي تُنفِّذها المملكة، على غرار مدينة نيوم وشركة البحر الأحمر للتطوير.


يُشير بيرومين إلى أن المملكة موطن لنسبةٍ لا يُستهان بها من الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، ويستطرد: "ثمة فرصٌ رائعة أمام أبحاث كاوست لتحقّق تأثيرًا في حفظ هذا المورد الطبيعي الحيوي على المستويين الإقليمي والدولي".