Skip to main content

«شاهين-2» ما زال يحلق عاليًا في سماء الأبحاث العلمية المتقدمة

عالج الحاسب الفائق المزمع استبداله في عام 2023 بيانات ضخمة ومهام معقدة حسابيًّا بسرعة كبيرة موفراً الوقت والمال

اعتمد الباحثون لسنوات عديدة على الحاسوب فائق السرعة «شاهين-2» التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، لاجراء العديد من الأبحاث المتقدمة في مختلف التخصصات، بداية من التوقعات المناخية حتى النمذجة الجزيئية أو محاكاة سلوك الجزئيات، إلَّا أنَّ دورة حياته شارفت على الانتهاء. فهذا الحاسوب "الصقر" -أول جهاز فائق في الشرق الأوسط، وأحد أسرع عشرة حواسيب على مستوى العالم في عام 2015- من المُزمع استبداله عام 2023؛ إذ إن التطورات في تلك الحواسيب سريعة ومتلاحقة، حتى إن تلك التقنيات سرعان ما تغدو طرازًا قديمًا خلال بضع سنواتٍ فقط، ومع ذلك فإن «شاهين-2» ما زال يُقدِّم ما يتجاوز قدراته.

توفير 600 مليون دولار أمريكي

على غرار أوائل الحواسيب العملاقة، يُستخدم «شاهين-2» للتنبؤ بالطقس. إذ يستعين الباحثون في «كاوست» تحت إشراف عالِم الرياضيات إبراهيم حطيط ، بقدرات «شاهين-2» لمحاكاة دورات الغلاف الجوي والمحيطات في منطقة شبه الجزيرة العربية وحولها، ولفهم هذه الدورات وتوقعها.

على سبيل المثال، كان المهندسون الذين يخططون لمشروعات الإنشاءات الساحلية الخاصة بمدينة الملك عبد الله الاقتصادية، المجاورة ل«كاوست» ، قد تنبأوا في البداية بأنَّ موجات المَدّ التي قد تنجم عن هبوب العواصف سيصل ارتفاعها إلى أربعة أمتار، لكنْ بفضل إمكانيات «شاهين-2»، أظهرت نماذج الباحث حطيط أنَّ الشعاب المرجانية القريبة ستبدد الأمواج القادمة من البحر الأحمر، مُقلِّلةً بذلك من مخاطر موجات المَدّ تلك. وقد سمحَتْ المعلوماتُ المُكتشَفة بفضل هذا الحاسوب بتقليل ارتفاع أساسات المشروع بنحو مترين؛ ما وفَّر حوالي 600 مليون دولار أمريكي من إجمالي تكاليف الإنشاءات.

ساعد الحاسوب كذلك في توضيح مستويات المخاطر التي قد تهدد المدينة الساحلية العملاقة «نيوم» (NEOM)، التي يجري تشييدها على السواحل الشمالية الشرقية للبحر الأحمر؛ فعمليات المحاكاة التي أجراها حطيط توقعت هَبَّات رياح غير معتادة، وأُخِذَت تلك التوقعات في الاعتبار في الخطط الجديدة.

ويرى حطيط أنَّ أكبر إنجازات مجموعته البحثية يتمثل في اكتشاف ومحاكاة دورة التدفق الطبيعية للبحر الأحمر. وقد ساعد هذا الاكتشاف في وضع خطط مباشرة لتنظيف الانسكابات النفطية، وفي تفسير أنماط الدورات الموسمية للرياح الموسمية الهندية، وتأثير تلك الدورات على الإنتاجية البيولوجية للكائنات الحية في أعماق البحر. هذه الدورة الطبيعية تَحْدُث عندما تدفع الرياح المياه السطحية خلال فصل الشتاء باتجاه الشمال، حيث تصبح المياه أكثر ملوحةً وبرودة، وتهبط إلى القاع في الأجزاء الشمالية من البحر الأحمر، ثم تعود باتجاه الجنوب في صورة تيارٍ عميق. و تنعكس تلك الدورة خلال فصل الصيف.

دَرَسَ الفريق كذلك بعض الأحداث المتفرقة باستخدام الحاسوب، ومنها أن انفجارات بركانية بعيدة في عامي 1982 و1991 تسبّبت في حلول فصول شتاء باردة غير معتادة على شبه جزيرة سيناء. وخلال هذه الأحداث، هبطت المياه في الأجزاء الشمالية من البحر الأحمر إلى قاع المحيط، وترتَّبَت على ذلك تأثيراتٌ غير مباشِرة، استفاد منها النظام البيئي برُمَّته. وشرح حطيط ذلك قائلًا: "هبطت المياه الباردة إلى الأعماق، وأخذت معها الأكسجين، فسَرَّعَت من دورة تدفق البحر؛ مما أدَّى إلى خلط عمود الماء الذي يمتد من السطح حتى رواسب القاع فيه، وتهوية حوضه".

محاكاة صناعة الطائرات

في عام 2014، دعت وكالة الفضاء والطيران الأمريكية "ناسا" إلى إحداث ثورةٍ في مجال ديناميكا الموائع الحسابية، التي تستخدم الطرق العددية والخواريزميات لحل المسائل وتحليل نتائج المحاكاة، متوقعةً أنَّه بحلول عام 2030 سيكون هناك خوارزميات جديدة تعمل على الحواسيب الفائقة، تحاكي تدفق الهواء حول المركبات الفضائية والطائرات عالية الأداء على نحوٍ أكثر شمولًا ودقة، إلَّا أنَّ فريق «كاوست» تَمَكَّن من تجاوز توقعات وكالة ناسا؛ إذ نجح ماتيو بارساني، مهندس الطيران والفضاء الجوي، المتخصص في الحوسبة، في تطوير أول نموذجٍ مبدئي من الجيل التالي من برمجيات حل معادلات ديناميكا الموائع التي تتعامل مع سيلان وتدفق الموائع مثل السوائل والغازات، واختبره على حاسوب «شاهين-2» في مطلع عام 2021. ويتعاون فريق بارساني الآن مع علماء من وكالة ناسا وغيرها من شركات الطيران العملاقة، مثل شركتي «بوينج» Boeing، و«ايرباص» Airbus، لاختبار ما توصلوا إليه من نتائج.

وعن ذلك تقول رشا الجحدلي، عالمة الرياضيات التطبيقية في هذا المشروع الريادي: "لقد نجحنا في تطوير أول برنامج مُتكيِّف ومستقل وذو ثبات إنتروبي لحل معادلات الهندسة المعقدة في العالم. وصناعة الطيران تدرك أنَّنا نتمتع بهذه الإمكانيات الفريدة، وتريد منَّا إجراء عمليات محاكاة، لترى كيف سيؤدي البرنامج فيها".

والإنتروبي يعتبر أهم وحدات قياس المعلومات وهي كم المعلومات الموجود في متغير عشوائي، بالإضافة إلى المعلومات المتبادلة، وهي كمية المعلومات المشتركة بين متغيرين عشوائيين.

أهمية هذا البرنامج تكمن في أنَّ تطوير نماذج الطائرات الجديدة يُكلِّف الكثير من المال. وحسب قول الجحدلي: "يختار المهندسون تصميمًا واحدًا من بين عدة تصميمات، ثُمَّ يشرعون في العملية المُكلِّفة لبناء النموذج الأَوَّلِي للتصميم، حتى يختبروه في نفقٍ هوائي"، لكنْ بفضل نظام بارساني، أصبح من الممكن فعل ذلك افتراضيًّا، عبر محاكاة العديد من التصميمات وتعديلها في أثناء ذلك. يتيح هذا للمطورين معاينة تدفق الهواء في كل مرحلةٍ من مراحل التصميم، وفي ظل ظروفٍ يستحيل تكرارها خلال اختبارات النفق الهوائي، والأخير هو وسيلة لإجراء التجارب والأبحاث التي تدرس تأثير حركة الهواء على الأجسام.

وقد يساعد ذلك النموذج أيضًا في تطوير سياراتٍ أسرع؛ كما هو الحال مع شركة «مكلارين» McLaren لتطوير سيارات «الفورمولا وان» Formula 1 التي تَستخدِم بالفعل برنامج بارساني. وبهذا فإنَّ «كاوست» تضع السعودية في صدارة الإسهامات التأسيسية في أكواد البِنْية التحتية للبرمجيات الخاصة بمجال ديناميكا الموائع الحسابية.

وكجزءٍ من خطط المملكة لتنويع مواردها الاقتصادية، ستدعم هذه المعرفة صناعة الطائرات المُطوَّرة محليًّا بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الواحد والعشرين. وتماشيًا مع «رؤية 2030»، تخطِّط المملكة لتوطين صناعات الطيران، وستكون «كاوست» قادرةً على دعم فرص تطبيق تلك الخطط.

تعلُّم الآلة بطريقة أكثر كفاءة

يطوِّر أستاذُ علوم الحوسبة بيتر ريشتاريك مع فريقه خوارزمياتٍ لتدريب تطبيقات تعلم الآلة. وقد تمكَّن الفريق مع عددٍ من طلاب الدراسات العليا من استعراض نجاح تلك الخوارزميات في عملية التعلُّم. وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، شارك الفريق بخمس أوراقٍ بحثية في المؤتمر الدولي المرموق لتعلُّم الآلة (ICML).

تؤدي تطبيقات تعلم الآلة التي طوَّرها الفريق مهام متنوعة، منها التعرف على الوجوه، أو ترجمة النصوص إلى لغاتٍ أخرى. ومع أنَّ الخوارزميات مثل هذه تتدرَّب حاليًّا عن طريق الاطلاع على ملايين الأمثلة والتعلُّم منها، إلَّا أنَّ هذه العملية غير فعَّالة؛ لذا استحدث ريشتاريك طريقة "العينات العشوائية"، التي تقوم على طرقٍ أكثر كفاءة، حيث يمكن من خلالها تدريب تطبيقات تعلم الآلة بأمثلةٍ أقل للتعلم منها في أسرع وقت.

وقد حظيت الأبحاث التي ألّفها ريشتاريك في المجال الفرعي لتعلُّم الآلة بمتابَعةِ الآلاف، كما استشهدوا بها في أعمالهم. والآن، كَوَّن عددٌ من عمالقة التكنولوجيا فِرَقَ أبحاثٍ متخصصة، تعمل بطريقة التعلُّم المُوحَّد

(Federated learning)، مثل شركات: «جوجل» (Google)، و«أبل» (Apple)، و«ميتا» (Meta)، و«سامسونج» (Samsung)، و«هُوَاوِي» (Huawei)، و«تِينْسِنت» (Tencent).