Skip to main content
إيفان فيولا (الثالث من جهة اليمين) برفقة متدربين ومرشدين في برنامج «وايز» © 2021 KAUST; ANASTASIA SERIN

عقول شابة تُشارِك في نمذجة كائن حيوي معقد

طلاب بالمرحلة الثانوية يبتكرون مع الفريق البحثي في «كاوست» نموذجًا حاسوبيًّا جديدًا لآكلات البكتيريا–فيروس يهاجم البكتيريا– ويختبرون على الأرض النموذجَ الأَوَّلِي للبرنامج الذي طوره الفريق. 

تستحوذ الحياة نانوية المقياس على اهتمام إيفان فيولا، اختصاصي علم رسوم الجرافيك الحاسوبية. وفي سبتمبر 2021، انتهز فيولا برنامج التدريب الصيفي المخصص لطلاب المرحلة الثانوية من أبناء المقيمين بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، (والذي يُعرف اختصارًا ببرنامج «وايز» WISE)، وسعى جاهدًا من أجل تهيئة فرصة كان يأمل في ""أن تحقِّق استمتاعًا، وتُقَدِّم في الوقت ذاته تجربةً يتسنى للطلاب من خلالها اكتساب معلوماتٍ ومهارات جديدة، أو تُقَدِّم تجربةً ترفيهية تحقِّق ثراءً فكريًّا، بما يُعرف بالتعليم الترفيهي".

تهدف المجموعة البحثية التي يشرف عليها فيولا، والمتعلقة بأبحاث التمثيل المرئي النانوي، إلى تصميم رسوم الجرافيك حاسوبية بالغة الدقة بالمقياس النانوي، وخوارزميات وتقنيات تخيلية ثلاثية الأبعاد. وتتضمن نتائجهم البحثية نُسَخًا أولية لبرامج حاسوبية عدة، من بينها «ميزوكرافت» MesoCraft، وهي أداة تُستخدم في النمذجة السريعة للتجمعات الجزيئية.

القدرة على تخيُّل هذا الكائن تُعَزِّز قدرتنا على التواصل بشأنه، ونشر المعرفة المتعلقة به على نحوٍ أسرع، الأمر الذي يساعدنا في التعلم على مستوى أعمق وأكثر شمولًا".

انبثقت فكرة تنظيم برنامج تدريبي للطلاب مِن نِقَاش دار مع إيما نيسون، رئيسة قسم علوم الحياة بالمدرسة الثانوية. وتساءل الباحثون عن مدى اهتمام بعض الطلاب الذين لديهم شغفٌ بعلم الأحياء، أو النمذجة ثلاثية الأبعاد، بالتعاون معهم.

والنمذجة ثلاثية الأبعاد هي عملية التمثيل الرياضي لأي سطح ثلاثي الأبعاد، سواء لجسم جامد، أَم متحرك، باستخدام برامج حاسوبية متخصصة، وكثيرًا ما تُستخدَم في المحاكاة الحاسوبية وألعاب الفيديو.

فوجئ الباحثون بإقبال أعداد كبيرة من الطلاب على المشاركة في البرنامج، ووصف الباحثون المجموعة التي وقع الاختيار عليها بقولهم: "عثرنا على أربعة عقول شابة رائعة، يمكن أن تساعدنا في تحديد القواعد المكانية، من أجل تجميع النموذج المعقد لآكلات البكتيريا"، أو ما يسمى بالعاثيات، وهي الفيروسات التي تغزو البكتيريا، والتي يُستعان بها في بعض الأحيان لمكافحة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية

وبينما تَوَلَّى فيولا الإشراف على التدريب، أُسندت مسؤولية التنظيم إلى دنج لو بمساعدة نان نوين، وهما اثنان من طلاب الدكتوراة في المجموعة.

أتاح التدريب فرصة أمام الطلاب لتصميم هيكلٍ صعب ذي بِنْية متوسطة، بهدف عرض نوع التجمعات الحيوية الذي يمكن نمذجته عن طريق الاستعانة بالنموذج الأَوَّلِي للبرنامج الحاسوبي الذي ابتكره الفريق. وقد تحققت المكاسب في كلا الاتجاهين؛ حيث وفر التدريب للفريق البحثي مجموعة من المستخدمين الفعليين، متمثلة في هؤلاء الطلاب، الذين أمكنهم تجريب برنامج «ميزوكرافت»، ومساعدة الباحثين على استكشاف جدوى هذه الأداة، من خلال طرح أسئلة من قبيل: هل الأداة مستقرة بالقدر الكافي؟ ومتى تتوقف عن العمل؟ وهل استخدامها سهل وبديهي؟ وما هو مقدار الدعم الذي يحتاجه المستخدم ليصير بارعًا في استخدامها؟

استُهل البرنامج التدريبي بتقديم فكرة موجزة للطلاب حول البيانات الرقمية المستخدَمة في تمثيل البيولوجيا البنيوية بالمقياس النانوي.

وبعد ذلك، تَلَقَّى الطلاب تدريبًا على يد العالِم الباحث أوندري ستراند في إعداد النماذج الحاسوبية، وتحديدًا في استخدام النموذج الأَوَّلِي من برنامج «ميزوكرافت»، الذي ابتكره باحثون في «كاوست». وبمجرد أن أجادوا استخدامه، قَدَّم لهم لو توصيفًا لنموذج آكلات البكتيريا T4 بما يشمل استعراضًا للمعلومات العلمية الحالية المتاحة بشأن آكلات البكتيريا T4، وبِنْيَتها فائقة الدقة. كان لو قد أَعَدَّ هذه المجموعة من البيانات بالتعاون مع ديفيد جودسيل، اختصاصي البيولوجيا الحاسوبية الشهير، والفنان بمعهد سكريبس البحثي.

ثم أتت الخطوة التالية والأهم في البرنامج التدريبي، وهي إعداد النماذج الحاسوبية. أُعطي الطلاب وحدات بناء أساسية (بروتينات)، ثم طُلب منهم التوصل إلى القواعد التي أفضت إلى تجميع الجزء البنيوي المطلوب.

يقول لو: "لقد بهرتني المهارات التي أظهرها الطلاب في إعداد النماذج ثلاثية الأبعاد، والمعلومات التي اكتسبوها عن البيولوجيا من مدرستهم الثانوية، كما أثارت إعجابي عقولهم الفنية، وقدرتهم السريعة على إجادة استخدام أداة «ميزوكرافت»".

من جانبه عبَّر فيولا عن إعجابه الشديد بالنتيجة المهمة التي توصّل إليها البرنامج التدريبي، حيث قال: "نجح الطلاب، بالتعاون مع دنج ونان، في إعداد النماذج الحاسوبية لآكلات البكتيريا T4 خلال فترة التدريب التي امتدت إلى أربعة أسابيع. وتتسم آكلات البكتيريا ببِنْيةٍ بالغة التعقيد، تَصْعُب نمذجتها، بالإضافة إلى أن النمذجة المستندة إلى قواعد تستدعي الكثير من التفكير المنطقي، لكننا نجحنا في نمذجة البِنْية بأكملها أثناء البرنامج التدريبي. وقد أدهشني ذلك كثيرًا".

تعلَّم الطلاب والباحثون، على حدٍّ سواء، الكثير. يقول فيولا: "لقد اكتسبنا خلال البرنامج معارف ومهارات جديدة، كما حصلنا على تقارير تتعلق باختبار أداء النسخة الأولية من برنامجنا الحاسوبي، وأخيرًا وليس آخِرًا، نجحنا في إعداد أول نموذج حاسوبي علمي دقيق لآكل البتكيريا T4. هذا النموذج متاحٌ للجميع، ويمكن لأي شخص استخدامه وتحليله".

يوضح لو كيف أنه الآن "يمكننا تخيُّل النموذج الذي بين أيدينا بالألوان، أو طباعته، أو تحريكه"، وهذه النماذج المتحركة سيَنْصَبّ التركيز عليها في الخطوة القادمة من أبحاثه. يقول لو: "إن ابتكار أول نموذج علمي دقيق لآكِل البكتيريا T4، الذي جَرَتْ دراسته جيدًا، ولكن لم يُتواصَل بشأنه كثيرًا، من شأنه أن يرشدنا ويرشد الآخرين. فالقدرة على تخيُّل هذا الكائن تُعَزِّز قدرتنا على التواصل بشأنه، ونشر المعرفة المتعلقة به على نحوٍ أسرع، الأمر الذي يساعدنا في التعلم على مستوى أعمق وأكثر شمولًا".

يختتم فيولا قائلًا: "الجيد في الأمر أيضًا أن جميع الطلاب أعجبهم التدريب بالفعل، وأبدوا تحمسًا كبيرًا، وعَبَّروا عن فخرهم بثمرة عملهم الدؤوب. عرضنا على الطلاب المشاركة مرة أخرى خلال عطلتهم المدرسية في إعداد نموذج لكائن حيوي آخر، إذا أرادوا، إذ يُسعدنا تكرار التعاون معهم".