Skip to main content

استكشاف أعماق الأرض من الفضاء

بيانات الأقمار الصناعية التي تذهب مباشرة إلى أجهزة الحاسوب تقدم معلومات ثمينة لاختصاصيّ فيزياء الأرض؛ لكن العمل الميداني لا غنى عنه.

يصعُب الوصول إلى بعض البقاع على سطح الأرض؛ إما لمشقة السفر إليها أو الكلفة الباهظة أو الخطورة. لكن الآن، بفضل التطورات التي لحقتْ بأدوات البحث العلمي، لم تعُد دراسة أعماق الأرض تتطلب دائمًا من العلماء "السفر واستكشاف الأمر" بأنفسهم؛ إذ بإمكانهم الاستعانة بأنظمة الرادار الحديثة الملحقة بالأقمار الصناعية التي يمكنها رصد حتى أدق التغييرات، بسرعة فائقة ومن مسافات بعيدة.

يقول سيجورجون جونسون، اختصاصي فيزياء الأرض: "يمكننا الآن رصد الكرة الأرضية بأكملها دون السفر إلى المناطق المُستهدفَة؛ الأمر الذي يلعب دورًا كبيرًا في تطوير إمكانات الرصد".

وفي تطبيق عملي على ذلك، يضرب جونسون مثلًا في هذا الصدد، قائلًا: "إننا نعكف الآن على دراسة سوريا"؛ هذا البلد الذي تنطوي زيارته على خطورة بالغة في الوقت الراهن. يُجري جونسون أبحاثه حول المخاطر البالغة مثل الزلازل، والبراكين، الأمر الذي يتضمن دراسة التغيرات الدقيقة التي تطرأ على التراكيب الجيولوجية.

"إن السبيل الوحيد للتعلُّم هو السفر واستكشاف الأمر بنفسك". هذا ما أكده فون هاردفيج، بطل رواية الخيال العلمي الرائدة«رحلة إلى مركز الأرض»Journey to the Centre of the Earth، التي نُشرت عام 1864، أثناء استعداده للقيام برحلة استكشافية جريئة إلى أحد البراكين، سعيًا لسبر أغوار الأرض".

يوضح جونسون أنه في حالة البراكين، تأتي زيادة النشاط الزلزالي أو ظاهرة "تضخم" الأرض ضمن تلك التغيرات الدقيقة، وهي غالبًا ما تكون أولى الإشارات التي تدلنا على أي نشاط بركاني وشيك. أما في حالة الزلازل، فيمكن أن ترشدنا هذه الإشارات إلى موقع حدوث "قفزة" عند حدود إحدى الصفائح.

تقوم العديد من وكالات الفضاء بجمع البيانات التي تُرسلها الأقمار الصناعية، وذلك في صورة مسوحات رادارية؛ ومن ثمَّ تُصبح مرخَّصة للتنزيل على هيئة مجموعات بيانية ضخمة. لذلك، يستعين جونسون في أبحاثه بالبيانات التي تجمعها عدة أقمار صناعية، لا سيما القمرين الصناعيين «سنتينيل-وان إيه»

 Sentinel-1A، و«سنتينيل-وان بي» Sentinel-1B التابعَين لـ«وكالة الفضاء الأوروبية» European Space Agency.

يوضح جونسون قائلًا: "عندما نكون بصدد دراسة منطقة ما، عادة ما نجمع كافة البيانات التي يمكننا الحصول عليها، ثم ننتقل إلى الخطوة التالية وهي معالجة تلك المجموعات البيانية الضخمة؛ لنخرج في النهاية بصور مُلونة تُشبه معالم النشاط الزلزالي. هذه المعطيات تُمكِّننا أحيانًا من تحديد مكان وقوع الزلزال بدقة".

لكن في المقابل، فإن البيانات الواردة من الأقمار الصناعية وحدها لا تكفي؛ إذ يتعين على فريق جونسون "السفر واستكشاف الأمر" بأنفسهم في زيارات ميدانية.

يُعقِّب جونسون قائلًا: "يفتح العمل الميداني كثيرًا من النوافذ أمام الدراسات والأبحاث التي نجريها داخل مكاتبنا"؛ لذا، يُخصص هؤلاء العلماء بضعة أسابيع من كل عام لزيارة البقاع البعيدة، بما في ذلك أيسلندا، وشمال المملكة العربية السعودية، وإريتريا أحيانًا؛ حيث يتعرّف الطلاب على مراحل جمع البيانات الميدانية والتحديات التي تحفُّها.

يمَثِّل خليج العقبة، الذي يعبِّر جونسون عن افتتانه بمناظره الطبيعية الخلابة وسلاسله الجبلية المترامية المرتفعة فوق سطح البحر، أحد أهم المواقع الميدانية محل اهتمام الفريق. كذلك، تُعدّ هذه السلاسل الجبلية  دليلًا على أهمية التكوين الجيولوجي لهذه المنطقة.

يقول جونسون إن الأربعة كيلومترات المدهشة التي تفصل بين خندق البحر بعمق 2000 متر والجبال المُطلة بارتفاع 2000 متر، تقدم لنا علامة واضحة على وجود نشاط تكتوني قوي في تلك المنطقة.

يوضح جونسون: "يمثل خليج العقبة في حقيقة الأمر الحد بين صفيحتين، إذ يقع الخليج بين الصفيحة العربية التي تتحرك شمالًا وصفيحة سيناء التي تقع ناحية الغرب. ونظرًا لأن الصفيحة تتحرك بمقدار حوالي خمسة ملليمترات سنويًا؛ فإن الحد اللصيق بها يقفز تلقائيًا بين الحين والحين، متسببًا في زلزال كبير".

يساهم هذا البحث الميداني في تنقيح منهجية دراسة مخاطر الزلازل، كما يقدم معلومات حيوية بشأن المنطقة محل الدراسة والمملكة بأكملها.

وفي خطوة جريئة وطموحة، أطلقت المملكة العربية السعودية عددًا من المشروعات التنموية العملاقة، على رأسها مشروع مدينة «نيوم» NEOM المستقبلية، بالقرب من خليج العقبة.

وفيما يتعلق بهذا الموضوع، يوضح جونسون: "رغم أننا لا نزال في حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم مخاطر الزلازل في هذه المدينة الجديدة فهمًا تامًا، فإن النتائج التي توصلنا إليها حتى الآن تُظهر أن احتمال حدوث الزلازل في هذه المنطقة قد يكون أقل من المتوقَّع، لكنه لا يزال واضحًا ويتعين أخذه بعين الاعتبار في تصميمات البنية التحتية للمدينة".

من المقرر كذلك أن تشهد المنطقة إقامةَ معبر يمتد من خليج العقبة إلى مصر بالقرب من مدينة شرم الشيخ. يعلق جونسون على هذا المشروع قائلًا: "تكمن إشكالية هذا المشروع في أنه يمر مباشرة عبر أحد الصدوع الحدودية للصفيحة؛ ما قد يتسبب في زلازل أرضية ضخمة، الأمر الذي يجب أخذه بعين الاعتبار عند تصميم المعبر وتنفيذه".

"يمكننا الآن رصد الكرة الأرضية بأكملها دون السفر إلى المناطق المُستهدفَة، الأمر الذي يلعب دورًا كبيرًا في تطوير إمكانات الرصد".

من الصعب العثور على تسجيلات مُوَّثقة لأنشطة زلزالية سابقة في هذه المنطقة من الشرق الأوسط، ولكنها شهدتْ في عام 1995 زلزالًا ضخمًا، بلغتْ قوته 7.2 درجة، وعُرف باسم "زلزال خليج العقبة" أو "زلزال نويبع". ومع أن هذا الزلزال وقع في منطقة ذات كثافة سكانية منخفضة، فإنه تسبب في وفاة 11 شخصًا، وما يقرب من 50 جريحًا، كما ألحق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية هناك.

ومن قبيل الصدفة أن جونسون سافر إلى هذه المنطقة في عام 1996 لقضاء إحدى العطلات بصحبة بعض أصدقائه، أي بعد ما لا يزيد عن بضعة أشهر من وقوع الزلزال دون أن يعرف بحدوثه، ولم يكن عندئذ يُدرك أن مسيرته المهنية المستقبلية ستقوده إلى دراسة حركة تلك الصفائح التي كان يطأها بقدميه أثناء قضاء عطلته.

ا