Skip to main content

توسّع جديد في استخدام الطباعة الحيوية لتكوين أعضاء تعويضية

الطب التجديدي وترميم الشعاب المرجانية ليسا سوى ميدانين من ميادين شتى يؤثر فيها مجال أبحاث الطباعة ثلاثية الأبعاد الناشئ.

تخيَّل أنك ستخضع لعملية جراحية لاستبدال قصبةٍ هوائية سليمة بقصبتك الهوائية المريضة، وأن الجرّاحين بحوزتهم طابعة صغيرة في غرفة العمليات، يستخدمونها في طباعة قصبة هوائية جديدة ويزرعونها مباشرةً في جسدك، مستخدمين خلاياك التي جمعوها في وقتٍ سابق.

ربما يتحقّق هذا السيناريو في غضون فترة تتراوح بين خمس أو عشر سنوات، حسبما تقول تشارلوت هاوزر، الباحثة في مجال الهندسة الحيوية بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، التي تتصدَّر العمل في أبحاث الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد.

من أبرز الجوانب الابتكارية في أبحاث هاوزر هي المادة التي تستخدمها في السقالة – وهي الركائز المستخدمة لبناء الخلايا والأنسجة، والطابعة الروبوتية التي صُمِّمت في مختبرها وتضمن الحصول على نتائج في غاية الدقة والاتّساق.

تُستَخدَم الطباعة الحيوية في إنشاء أنسجةٍ وأعضاء وغيرهما من البنى الجسدية في وجود الخلايا. وتتطلّب العملية وجود سقالة من أجل محاكاة بنية جزء الجسم المستهدف إضافةً إلى مادة جيلاتينية تحتوي على الخلايا أو البروتينات البشرية لتعزيز نموها. وعلى عكس كثير من الفِرق البحثية التي تستخدم بوليمرات غير طبيعية لا تشبه الألياف الطبيعية، طوَّرَت هاوزر كولاجينًا حيويًا شديد الشبه بالكولاجين البشري الذي يمثّل النسيج الضام للجسم، لاستخدامه كسقالةٍ لجميع أنواع الطعوم مع الأنسجةٍ. وتوضّح هاوزر أن هذا الكولاجين عبارة عن مادة مخلَّقة من مواد طبيعية.

وإضافةً إلى عملها في مشروع القصبة الهوائية التعويضية، تتعاون هاوزر وفريقها البحثي تعاونًا وثيقًا مع المستشفيات بالمملكة العربية السعودية لفحص فعالية العقاقير باستخدام مجسَّمات لأمراضٍ معينة، مثل سرطان القولون وسرطان الدَّم (اللُوكِيميَا).

فمن خلال إعادة تشكيل بنية ثلاثية الأبعاد لورمٍ في المُختَبَر، يستطيع الباحثون إجراء الفحص اللازم لتحديد أي عقار أو مجموعة عقاقير أكثر فاعلية في محاصرة هذا الورم بل وتدميره.

© 2021 KAUST; Anastasia Serin

تجديد الشعاب المرجانية

تدخل الطباعة ثلاثية الأبعاد في مجال التطبيقات البيئية أيضًا. وفي هذا الصدد، تتعاون هاوزر وفريقها البحثي مع كارلوس دوارتي وزملاء آخرين في مركز أبحاث البحر الأحمر في «كاوست» ، من أجل استعادة وترميم الشعاب المرجانية. كما تشارك هاوزر في مشروع استعادة وترميم الشعاب المرجانية التابع لمدينة «نيوم» السعودية، والذي سيضم أكبر حديقة للشعاب المرجانية على مستوى العالم.

يُشار إلى أن الهياكل المرجانية مصنوعة من كربونات الكالسيوم. وقد ابتكر فريق هاوزر حبرًا مدعومًا ضوئيًا عبارة عن مزيج من الراتينج وكربونات الكالسيوم.

"أحاول دائمًا التأكّد من أن جميع المواد التي أستخدمها قابلة للتحلل ومُستدامة وصديقة للبيئة من أجل عالم أكثر توافقًا على المستوى الحيوي".

تقول هاوزر: "المشكلة التي نواجهها حال استخدام مواد أخرى مثل الخرسانة والمعادن أو حتى بلاط السيراميك كركائز تكمن في أن الركيزة نفسها تتحوّل لنفايات. ولذا أحاول دائمًا التأكّد من أن جميع المواد التي أستخدمها قابلة للتحلل ومُستدامة وصديقة للبيئة من أجل عالم أكثر توافقًا على المستوى الحيوي".

يعكف فريق هاوزر حاليًا على دراسات إثبات جدوى المفهوم باستخدام هذه المادة في خزانات مياه البحر، لكن فيما يخص المشروعات واسعة النطاق المعنية باستعادة وترميم الشعاب المرجانية، فإنهم يطبعون قوالب السيليكون التي تكون طباعتها أسرع بكثير، وتمكّنهم من توسعة نطاق المشروع.

تقول هاوزر إن أبرز التحدّيات تكمن في التقنية ذاتها وفي تحديد مصادر المواد، على غرار الأحبار الحيوية المُخَصّصة ومواد السقالات. وترى أن الهدف دائمًا هو الاقتراب من الطبيعة قدر الإمكان في هندسة الأنسجة، من ناحية ابتكار أفضل المواد الحيوية لاستخدامها في السقالات، وتعلُّم الكيفية التي يمكن بها زراعة الخلايا الخاصة بكل عضو خارج الجسم مع الإبقاء عليها حيةً في الوقت ذاته.

تؤمن هاوزر أن المستقبل يكمن في الطباعة داخل الجسم الحي، مثل وجود طابعة في غرفة العمليات تستخدم خلايا المريض نفسه ويسهل على الجراحين التعامل معها، وتختتم قائلة: "هذا التحول يحدث الآن بالفعل".